ولد الشاعر مفدي زكريا عام 1909م بقرية بني يزغن التي تقع في ولاية غرداية جنوب الجزائر حفظ جزءا من القرآن ومبادئ العربية والفقه وأصوله في الكتّاب الذي كان موجودا في القرية . وقد لاحظ أقرباؤه أن مفدي زكريا كان رجلا في صغره و أن وعيه كان متقدما للغاية , كان رجلا في سن الطفولة
ثم إصطحبه والده معه وهو إبن سبع سنين إلى مدينة عنابة شمال شرق الجزائر التي كان تاجرا بها، وفيها أتمّ حفظ القرآن . وبدأ تلقى تعليمه الأول بمسقط رأسه ثم قصد تونس لإكمال دراسته , ولاية غرداية جنوب الجزائر. لقبَّه زميل دراسته سليمان بو جناح ب مُ في سنة 1922 قرر والده إبتعاثه إلى تونس , وهناك درس في مدرسة السلام القرآنية ، وبعد سنتين إنتقل إلى المدرسة الخلدونية ، ثم تحول إلى جامع الزيتون ة، وأخذ عن علمائها دروس اللغة والبلاغة والأصول وفقه اللغة فدي فأصبح لقبه الأدبي الذي إشتهر به.
تألق نجمه في تونس و برع في نظم الشعر وكان يواكب الحركة الشعرية والأدبية في المشرق العربي , حيث كانت تصل تونس آخر الإبداعات الشعرية و الأدبية التي ترى النور في الضفة الأخرى من الوطن العربي .
وكان مفدي زكريا شجاعا مقداما لا يعرف الخوف و لا تلين عزيمته كلمات التهديد ولا التعذيب والسجن ولا حتى الموت من أجل الوطن,كمل نظاله بالشعر والقلم والمجاهدون بالسلاح والمدفع وقد أسقط هذه الخصال على بنوية شعره الذي كان قويا كقوة شخصيته . في 17 أغسطس -أوت1937 حكم على الشاعر مفدي بالسجن بتهمة التآمر و هي تهم ملفقة عادة و عندما أطلق سراحه واصل نشاطه الفكري .
وكان للبيئة الإسلامية الأصيلة التي ترعرع وسطها ولمصادر ثقافته الدينية دور كبير في صقل شخصيته الشعرية وكانت مدينة غرداية مشهورة بأصالتها وحفاظها على القيم والمبادئ و العلوم العربية والإسلامية . كما أن قسوة الإستعمار الفرنسي عليه وعلى شعبه أثرت فيه إلى أبعد الحدود ..وعندما أتم تعليمه غادر تونس عائدا إلى وطنه الجزائ، وتوجه للعمل التجاري ولكنه لم ينقطع عن مجال الفكر والأدب ، وقد إشتهر سكان غرداية بالذكاء والنجاح في المجال التجاري . كان مفدي زكريا واحدا من رواد الحركة الوطنية التي تبنت مبدأ الثورة على الإستعمار الفرنسي , وأيدّ بقوة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ولكنه لم ينخرط فيها رغم تكوينه الإسلامي و الديني , بل إختار الإنضمام إلى الحركات الوطنية . وعندما إندلعت ثورة نوفمبر سنة 1954 وجد نفسها وتلقائيا واحدا من جنودها و الناطقين بإسمها فسخرّ شعره لخدمة القضية الجزائرية و الدفاع عن مظلومية الشعب الجزائري , وإتخذ من شعره وسيلة لتعرية الإستعمار الفرنسي الذي حاق بالجزائريين سوء العذاب . وكان سباقا إلى رحاب الثورة الجزائرية و صادف ألوان العذاب و البلاءات و سجنته السلطات الإستعمارية الفرنسية خمس مرات . كان مفدى زكريا ضمير ثورة التحرير الجزائرية الناطق و الحي ورائد مسيرتها وكان المجاهدون الجزائريون يرددون أشعاره في ساحات المعارك ، وعلى أعواد المشانق ، إلى أن إستقلت الجزائر في العام 1962 .
أقام عندها في الجزائر ومارس التجارة وفتح مكتبا للتمثيل التجاري ولكنه لم يخلق للتجارة فكسدت تجارته . فيما صوته كان مدويا على الدوام . ولم تسعفه الظروف للإستقرار فتوجه إلى تونس سنة 1963 ومكث بها إلى سنة 1969 حيث يمم شطر المغرب وإستقر بالدار البيضاء وفتح مدرسة للتعليم الثانوي هناك , و هكذا أضاعت الجزائر شاعرها الذي خلدّ ذكراها في كل الأمصار . ولم تمنعه التجارة من أن يواصل النشاط الثقافي حيث كان يشارك في الملتقيات و المؤتمرات ومنها مؤتمر الفكر الإسلامي الذي عرفت الجزائر به . مفدي زكريا يعتبر صاحب الروائع في الجزائر فهو صاحب الأناشيد الوطنيّة النشيد الوطنيّ الجزائريّ ، و . نشيد مؤتمر المصير بتونس و نشيد إتّحاد النساء التونسيّ و نشيد معركة بنزرت التاريخيّ و نشيد الجلاء عن المغرب و نشيد الجيش المغربي، وغيرها من الأناشيد.
و نشيد فداء الجزائر الذي دشنّ الثورة الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي و نشيد العلم الجزائريّ، نشيد الشهداء و نشيد جيش التحرير الوطنيّ ، نشيد الاتّحاد العامّ للعمّال الجزائريّين ، نشيد إتّحاد الطلاّب الجزائريّين ، نشيد المرأة الجزائريّة ، نشيد بربروس
أما نشيد إلياذة الجزائر فهو الذي توجّ به كل الروائع , و أعتبرت إليادة الروائع لما فيه من جماليات ومزح بين التاريخ المجيد والراهن الثائر والحرية و التحرر .
ومن مؤلفاته: اللهب المقدس و من وحي الأطلس و إلياذة الجزائر و تحت ظلال الزيتون و دليل المغرب العربي الكبير.
وكانت وفاته يوم الأربعاء 02 رمضان 1397ه الموافق 17 أوت 1977م بتونس وعمره تسعة وستون عاما ونقل جثمانه إلى الجزائر ودفن بمسقط رأسه في بني يزقن - ولاية غرداية.
و الواقع وكما يقال فإنّ الأبناء يكملون مسيرة الأباء , وقد ألف الدكتور سليمان الشيخ إبن مفدي زكريا سفير الجزائر السابق بالقاهرة – العديد من الكتب عن الدراسات وله الفضل في إقامة مؤسسة مفدي زكريا و التي أصدرت كتبا كثيرة عن شاعر الثورة الجزائرية .
وما أصدرته هذه المؤسسة :
مفدي زكريا شاعر مجَّد الثورة حوارات وذكريات لبلقاسم بن عبد الله. وتاريخ الصحافة العربية في الجزائر لمفدي زكريا جمع وتحقيق د.أحمد حمدي. وديوان أمجادنا تتكلم وهو ديوان لم يسبق نشره لمفدي زكريا و الكتاب الرابع والأخير فهو كلمات مفدي زكريا في ذاكرة الصحافة الوطنية من إعداد وتقديم د. محمد عيسى وموسى
مع تحياتي